محمد بشير أحمد: حياة حافلة وإرث باق
د عبد العظيم محمد الحسن الأمينتنحدر أسرة محمد بشيرأحمد من قرية جقجول القريبة من قبة سليم جوار مدينة عبري في منطقة السكوت في إقليم النوبة. وهي منطقة غنية ثقافيا كما يلاحظ من أثار العهد الفرعوني والمسيحي والإسلامي، وأثار المعارك بين الجيش الإنجليزي وقوات المهدية، فضلا عن التواصل والتأثر بمصر التي هاجر لها العديد من أبناء الإقليم. ويلاحظ أن مناطق الشمال قد اهتمت بالتعليم منذ وقت مبكر، حيث تأسست مدرسة عبري بالعون الذاتي عام 1910، المدرسة التي كان من بين طلابها محمد أبو سليم ومحمد وردي و بروفسير عمر محمد عثمان (مدير جامعة الخرطوم لاحقاً) ومنها الفكي بروفسور حاج النصري (البروفيسور) ونجم الدين محمد شريف (عالم الآثار) ومحمد عثمان وردي (الفنان الموسيقار) وغيرهم.
منطقة النوبة قدمت بعض أهم رواد التيار القومي العربي والبعث في السودان، منهم يوسف همت، محمد المهدي، وبكري خليل، وهاشم بلتون، وشيخون، كما أن بدر الدين مدثر أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان من أصل نوبي، فضلا عن عدد كبير بالنسبة مقارنة بعدد السكان. إلى جانب انتشار البعث في مناطق النوبيين يلاحظ أيضا أن له انتشار قوي له في غرب السودان، مما يدعو للتساؤل ما إذا كانت مناطق التماس الثقافي كانت هي المناطق الأخصب لنمو التيار القومي العربي. ويذكر أن المرة الوحيدة التي سمع بها محمد يتكلم بلغة السكوت كانت عند مداهمة الأمن له في مكان خارج البيت واتصل بشخص في المنزل وتحدث معه بهذه اللغة لكي يؤمن بعض الوثائق في البيت.
خريطة منطقة النوبة
الأسرة ولد الفقيد عام 1941، والده هو الحاج بشير محمد صالح أحمد ووالدته حفصة الطاهر، هو الأبن الأصغر ما بين ثلاث بنات وثلاثة أولاد: هم فاطمة و صفورة و حليمة، وحسن وأحمد.
وكان والده يعمل باشكاتب في مصلحة الوابورات، وتنقلت الاسرة ما بين عطبرة والخرطوم، والخرطوم بحري حيث استقرت في حي الميري (الحكومي) قبل شراء منزل بيت الأملاك الحالي عام ١٩٥٥. وإلى جانب عمل الوالد، عمل شقيقه أحمد كمعلم، وشقيقه الأخر حسن في بنك السودان ما وفر للأسرة حياة مريحة واطلاعا واسعا منذ النشأة. ويلاحظ أن ميلاد محمد بشير هو عام وفاة معاوية نور، رائد آخر من رواد الاستنارة. وكأنما قدّر أن يبعث محمد بشير في محمد نور ليواصل المشوار. ويلاحظ أن هناك تشابه في ظروف نشأة الرائدين حيث تنتمي كلا اسرتيهما للطبقة الوسطي.
صورة والد محمد بشير وجده احمد صالح
تلقي الراحل تعليمه الأولي في مدارس الديم شرق في الخرطوم ، والشرقية في عطبرة، ومدرسة حلة حمد بالخرطوم بحري متنقلا مع والده الذي كان يعمل بالسكة الحديد. ودرس المرحلة الوسطى في الخرطوم الأهلية الوسطى، والثانوية في مدرسة الخرطوم الثانوية الجديدة الكائنة في ثكنات الجيش البريطاني السابقة؛ ثم التحق بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم والتي تخرج فيها ببكالوريوس بدرجة الشرف.
وفي ألمانيا التحق الراحل بجامعة ماينتس في ألمانيا، حيث درس اللغة الألمانية وبعض المواد، ثم عكف على دراسة موضوع الإسلام في غرب أفريقيا في إطار التحضير لدرجة الدكتوراة في النصف الأول من الثمانينات، لكنه اضطر لقطع دراسته والعودة للسودان عقب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق جعفر نميري عام ١٩٨٥.